﴿ روحٌ تعلّقت بالمجهول ﴾
بقلم القائد زهير شيخ تراب
ربما ينتقل العشق بالوراثة من الآباء إلى الأبناء وكذلك ملكات كثيرة يكتسبها اللاشعور لتنطبع في صفحة ناصعة البياض لطفل لم يكن يبلغ مرحلة الإدراك.
كان أبي يضع في متناول يديّ مجموعة كبيرة من الصور أتصفحها باستمرار ، كانت تلك الصور تضم في إطاراتها مجموعة كبيرة من الأصدقاء ... قرأت في وجوههم ابتسامة الفرح ، وأدركت السرور والغبطة من الحركات التي وقفت عليها عين الكاميرا ... أدركت أن رابطا ما أقوى من كل الروابط الإنسانية يجمع هؤلاء الأصدقاء .
تارةً أراهم يتلاعبون على صفحة الماء ،وتارةً يشكّلون بأجسادهم أبراج حبٍ وإخاء وتارةً يتعثرون بأحمال ثقيلةٍ تثقل كواهلهم غير أنّ الابتسامة لا تفارق الشفاه ... رأيتهم يصعدون الجبال ويعانقون الأشجار المثمرة يجنون منها مواسم الحصاد فتكلؤهم بظلٍّ ظليلٍ ..يفترشون الأرض الحنون .
شممتُ رائحة قدورهم وهم يصنعون طعامهم بأيديهم على مواقد حجريةٍ يعبق منها تاريخ الفطرة والبداءة والنقاء.
ما أجملهم يتحلــّقون حول النار كأن احدهم يغني والاخرين يصفقون ويهزجون .
يلفهم الليل بعباءة من الظلمة في ليلة قمرية آسرة . وتلوح على وهج النار طبيعة خلابة تسرّ الناظرين .
لقد بنوا من خلفهم خياما , هي الوكنات لطيور أتعبها سرح النهار .
لكن أجمل ما استمالني صور ارتصّ فيها هؤلاء الأصدقاء , بل الإخوة في نسق يضربون الأرض بأرجلهم ضربة رجل واحد لتهتز بإباء وشمم . معبرين عن قوة أكسبتهم إياها محبة الوطن وحلاوة النصر , وكبرياء الأمة في عيد الجلاء .
ذلك كان العرض العسكري الكبير الذي شاركت فيه جموع الكشافة إلى جانب الجنود . والمخلصين من أبناء الأمة العربية الكبيرة .الذين جاءوا تحتفلون باول نيسان للحرية .
لقد تركت تلك الصور في ذاكرتي أجمل القيم . وانغرست في روحي انغراس السنديانة فوق جبل أشم , وأكسبتني حب الفضول للتعرف على أولئك الذين يرتدون أجمل اللباس , ويطوقون أعناقهم بمنديل أزرق . علامة تميّز لقاءاتهم وتدل على شرف الانتماء الى اعرق حركة تجمعهم إخوانا متعاضدين في كل حين .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق